Document sans titre  
الـعـربية Español Français English Deutsch Русский Português Italiano
الخميس 28 مارس 2024
دورات المجلـس

قال رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراية في كلمة افتتاح الدورة العادية الثانية بمدينة السمارة إن" حسن النية لم يتوفر بعد لدى الأطراف الأخرى الحقيقية" والدليل على ذلك تشبثها بالحل المستحيل في قضية الصحراء.


 



 وفي ما يلي نص الكلمة التي ألقاها السيد خليهن ولد الرشيد بالمناسبة:

بسم الله الرحمـن الرحيم

بأمر من جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده نعقد اليوم هذه الدورة الثانية العادية لسنة 2007 في مدينة السمارة المجاهدة والعالمة والمناضلة والتي ساهمت بقسط وافر في جميع مراحل التاريخ المغربي في المحافظة على كيانه ووحدته الترابية.
وهذه هي الدورة الثانية التي تنعقد في المنطقة بعد الدورة الاستثنائية التي أمر جلالة الملك بانعقادها لتدارس نتائج اللقاء الأول في منهاست والتي أجريت في مدينة العيون يوم 29 يونيو 2007.
أما هذه الدورة التي تعقد اليوم بمدينة السمارة فستخصص لدراسة موضوعين مهمين ألا وهما:

* الحكم الذاتي: حل نهائي لتحقيق المصالحة والعودة الكريمة.
* النقل الجوي والشبكة الطرقية بالأقاليم الجنوبية.

كما تعلمون أيها السادة والسيدات أن هذا المسلسل المتعلق بالحكم الذاتي وحل مشكل الصحراء بصفة نهائية انطلق بعد الزيارة الخالدة لمدينة العيون التي قام بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. وخاصة بعد خطابه التاريخي لـ 25 مارس 2006 والذي أسس بموجبه حفظه الله المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.
لقد انكب المجلس في البداية على تهييء مشروع مسودة الحكم الذاتي. وذلك طوال ما تبقى من سنة 2006 إذ اشتغلنا عليها بالإضافة إلى قيامنا بنشاط دبلوماسي وإعلامي مكثف.
وحينما صادق جلالة الملك على المشروع النهائي المتعلق بالحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية شاركنا في الحملة الوطنية الواسعة النطاق على الصعيدين المحلي والعالمي للتعريف بهذا المشروع في كافة أرجاء المعمور.
وبالفعل فقد عبرت معظم الدول في القارات الخمس عن ترحيبها وتقديرها لهذا المشروع المهم الذي اعتبرته أساسا لحل هذا النزاع.
وبعد ردود الفعل الإيجابية من لدن الغالبية العظمى لدول العالم قدم المغرب مبادرته إلى الأمين العام للأمم المتحدة وذلك بتاريخ 11 أبريل 2007 وصادق مجلس الأمن بعد ذلك على قراره التاريخي 1754 الذي نوه من خلاله بجدية ومصداقية وأهمية المبادرة المغربية. كما أن هذا القرار أرسى مقاربة جديدة لحل النزاع في الصحراء هذه المقاربة بنيت على أساس التخلي عن جميع المقاربات غير الواقعية السابقة والمخططات العقيمة السالفة وأكدت على التشبث بالمفاوضات المبنية على حسن النية كوسيلة وحيدة للحل النهائي لهذا النزاع الذي طال أمده.
ونعتبر بحق أن القرار 1754 صار انطلاقة جديدة وكفيلة بحل مشكل الصحراء المغربية في أقرب الآجال، هذا طبعا إذا توفرت النية الحسنة عند الأطراف الأخرى.
وفعلا انطلقت على هذا الأساس الجولة الأولى من المفاوضات يومي 18 و 19 يونيو 2007 في الولايات المتحدة بمنهاست. كما تمت بنفس المكان الجولة الثانية بتاريخ 10 و 11 غشت من السنة نفسها. مما يبشر على أن الأطراف دخلت في مرحلة جديدة لمعالجة القضية بأسلوب حضاري يمكنه أن يفضي إلى حل نهائي يرضي جميع الأطراف.
وقد سبق أن ناقشنا مطولا و في مدينة العيون، الأجواء التي مرت فيها هذه المفاوضات والمكاسب التي حققها المغرب من خلالها.
ومن المعلوم أن هاته المفاوضات أربكت جبهة البوليساريو ومن معها لأنها تعتبر قطيعة تامة مع المساطير الماضية إذ أسست لمسلسل جديد بدايته القرار 1754 الذي يطالب بل ويلح على تنظيم مفاوضات مباشرة تفضي إلى حل سياسي نهائي متفق عليه وينال رضى الجميع.
كما أكد مجلس الأمن في قراره الأخير رقم 1783 على إتباع نفس المقاربة الجديدة التي سنها كمقاربة لحل النزاع في الصحراء.      كما جدد الاعتراف كذلك بمصداقية وجدية المبادرة المغربية وأضاف أن المفاوضات ستجرى على أساس التقدم الذي طرأ خلال سنة 2006 وهو ما يجسد أهمية المبادرة المغربية المتعلقة بمشروع الحكم الذاتي التي تعتبر بحق التقدم الوحيد الذي طرأ على هذا الملف.
ولتحقيق الأهداف التي رسمها القرار 1783، حسب ما يبتغيه المجتمع الدولي يجب، كما أسلفنا، أن تتوفر النية الحسنة لدى جميع الأطراف.
وفي هذا الإطار أبت بلادنا إلا أن تعبر عن حسن نيتها بتأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي يعتبر المشاركة المباشرة لأبناء المنطقة في تحديد معالم مستقبلهم وتقديم مشروع الحكم الذاتي كأداة راقية لحل هاته القضية على أساس مبدأ لا غالب ولا مغلوب. كما أن قبول التفاوض المباشر مع جبهة البوليساريو يعد تعبيرا صادقا وشجاعا على حسن نية المغرب لوضع حد نهائي لهذا النزاع الذي طال أمده عبر الحوار و التفاوض و التصالح.
غير أن الطرف الآخر الذي هو في نفس الوقت عدة أطراف ما زال وكما كان طرفها الرئيسي المكشوف غامض الأهداف، ففعلا هم قبلوا القرارات الجديدة لمجلس الأمن و المسطرة المحدثة المبنية على المفاوضات المباشرة. ولكن حسن النية لم يتوفر بعد، لأن جرس الحنين إلى الماضي لا زال يرن في آذانهم مع العلم أن الماضي لم يتحقق فيه شيء يذكر تجاه الحل المبحوث عنه لإنهاء هذا المشكل. وذلك لأن محاولة القيام باستفتاء مبني على أساس تحديد الهوية أظهرت أنه غير قابل للتطبيق وذلك للأسباب الموضوعية التي لا يجهلها أحد. وعلى رأسها أن الصحراويين يوجدون على تراب عدة بلدان نتيجة التقسيم الاستعماري.
فلا يمكن إذن إجراء استفتاء مبني على أساس تحديد الهوية ويكون في نفس الوقت عادلا و نزيها وحرا وديمقراطيا إلا إذا تغيرت حدود كل هذه البلاد المعنية جغرافيا و بشريا. وهذا بطبيعة الحال ضرب من الخيال مستحيل و غير معقول ولا يتفق مع الشرعية الدولية المبنية على احترام الحدود و الوحدة الترابية لكل دولة.
وما يدفعنا كذلك أن نقول بأن حسن النية لم يتوفر بعد لدى الأطراف الأخرى الحقيقية هو تشبثها بالمطالبة بهذا المستحيل التي تعلم علم اليقين أنه غير ممكن، بل ويهدد كيانها. فاتقوا، إذن، فتنة سيكون موقدها أول مكتو بها وحذار من فتنة الانفصال لأنها إن اندلعت لن تبقي ولن تذر. وهذا ما يجعلنا من جهة أخرى
نشك في أن مطالبتها باستفتاء غير قابل للتطبيق هو في الحقيقة إرادة مبيتة لإطالة النزاع لأسباب أخرى غير معلنة.
وجدير بالذكر هنا أن جبهة البوليساريو وفي الأساس ليست جبهة ديمقراطية ولم تكن كذلك في أي يوم من الأيام لأنها بنيت على أسس نظام شمولي دكتاتوري هدفه هو السيطرة التامة على المواطنين والمراقبة الكاملة لهم ولتصرفاتهم وإحصاء أنفاسهم.
وإلى حد الساعة لم يصل إلى هذه الجبهة التغيير الذي طرأ على جميع المنظمات المشابهة لها في العالم هذا التغيير الذي يتمثل في إدخال التفتح و التعددية و الشفافية و الديمقراطية في تسيير دواليبها، وانفتاحها على حلول توافقية ومصالحات وطنية.
وهذه الخطيئة التصقت بجبهة البوليساريو منذ نشأتها ومنذ تخطيطها المبيت وعن سابق إصرار لإنشاء المخيمات فوق أرض الحمادة لتضع الكثير من أبناء منطقتنا في فخ نصبته لهم منذ 1975 وذلك بناء على مغالطة و ادعاءات كاذبة تتعلق بتاريخ الصحراء و ارتباطها بالمملكة المغربية وبكل ما يحوم حول هذا النزاع عموما.
والجميع يعلم أنه لم يكن هناك أبدا عبر التاريخ أي كيان منفصل عن المغرب في هاته المنطقة وبأن الصحراويين ظلوا عبر هذا التاريخ مكونا أساسيا وجوهريا من الأمة المغربية ولم يخضعوا أبدا لأية سلطة غير سلطة السلاطين المغاربة عبر البيعـة المقدسـة.
وبدون الذهاب بعيدا في التاريخ القديم وبدءا فقط من سنة استرجاع الاستقلال 1956 لا ينكر أحد أن أول الوفود التي قدمت الولاء و الإخلاص لجلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه في مدينة الرباط هي وفود القبائل الصحراوية.
وعلى إثر هذه المبادرة التاريخية التي قامت بها أكبر الشخصيات الصحراوية (التي ينحدر منها غالبة مسيري جبهة البوليساريو حاليا) إنطلق جيش التحرير في استرجاع المناطق الصحراوية واستردادها من لدن الوطن الأم، وقد انخرط فيه جميع الصحراويين رجالا ونساء و ذلك من كل ربوع الصحراء. وأبان أبناء المنطقة من خلال قيادتهم للوحدات المسلحة لجيش التحرير ( قائد المائة أو قائد الرحى) ومن خلال انخراطهم كأعضاء في هذا الجيش، أبانوا جميعهم عن شجاعة وإقدام وتضحية جهادية في سبيل الله وفي سبيل الوطن وسبيل الملك. وتشهد على ذلك كبريات المعارك التي خاضوها مثل معركة الدشيرة و معركة ارغيوة (المتواجدة قرب تفاريتي) ومعركة العركوب ...إلخ
ولولا تواطؤ القوى الاستعمارية فيما يعرف بعملية إيكوفيون لحررت منطقة الصحراء من طرف جيش التحرير هذا في أواخر الخمسينات من القرن الماضي
و في المدة الفاصلة بين نهاية عمليات جيش التحرير و استرجاع الأقاليم الجنوبية في سنة 1975 لم يتوقف المغرب قط ولو للحظة واحدة عن المطالبة باسترجاع الصحراء. وذلك في كل المحافل الدولية وخاصة منها منظمة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول الإسلامية وكذلك لدى هيئة الأمم المتحدة. وبالطبع فإن هذه المرحلة عرفت كذلك مشاركة أبناء الصحراء في المطالبة باسترجاعها إلى الوطن الأم.

ولم يكن في تلك الفترة أي طرف من أي نوع كان يطالب بالصحراء غير المغرب لأن النزاع كان دوما قائما بينه وبين إسبانيا ليس فقط بخصوص إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب بل كذلك فيما يتعلق بتحرير مدينتي طرفاية وسيدي إيفني حيث استرجعتا على التوالي في سنة 1958 (طرفاية) و1969 (سيدي إيفني) وذلك إثر مفاوضات أثمرت اتفاقا بين المغرب وإسبانيا دون أي استفتاء يذكر. فليس من الغريب إذن أن يتم استرجاع الصحراء المغربية سنة 1975 على نفس المنوال. ولم تبق إلا الثغور المحتلة بشمال المملكة التي أكد المغاربة مؤخرا تشبثهم بمغربيتها رفضا منهم للمساس بمشاعرهم الوطنية في انتظار إيجاد حل تفاوضي مستقبلي لها.
وحينما دقت ساعة التحرير لعب أبناء المنطقة دورا أساسيا في هاته المرحلة لاستكمال الوحدة بالتلاحم مع المسيرة الخضراء التي نظمها الراحل جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه والذي جدد له أبناء المنطقة البيعة المقدسة التي قدمها آباؤهم لوالده المغفور له جلالة الملك محمد الخامس.
لهذا لا يمكن لأحد أيا كان أن يزور التاريخ أو أن يكذب على الماضي أو يخلق سيرة جديدة غير التي رسمها الآباء و الأجداد.
فالصحراويون كقبائل ينحدرون من أجداد ذي أصول مغربية.
و الصحراويون كقبائل شاركوا في صنع تاريخ المغرب البعيد والقريب.
والصحراويون كقبائل وكأفراد شاركوا في جميع المراحل التي مرت بها المملكة المغربية سواء في فترة ما قبل الاستعمار أو في فترة الاستعمار أو في فترة التحرير وفترة استرجاع الاستقلال.
ولهذا فإنه من العبث أن يحاول أي أحد أن يؤسس الانفصال ابتداء من 1973 لأنه لا يمكن لأي كان أن يدعي أن هناك تاريخا يفصل بأي شكل من الأشكال بين المغرب وصحرائه. فهناك: ارتباط ديني عبر البيعة، وارتباط إنساني عبر الروابط العائلية، وارتباط جهادي عبر المقاومة والمشاركة في القضايا الوطنية الكبرى، وطبعا ارتباط اقتصادي وتجاري و إنساني.
ولهذه الأسباب يعتبر نزاع الصحراء نزاعا بني على مبررات باطلة وجملة القول أنه نزاع بني أساسا على مخلفات الحرب الباردة وعلى مطالب أخرى غير معلنة لا تمت من قريب ولا من بعيد للصحراويين. ومع الأسف الشديد أصبحت المنطقة كلها ضحية لها.
فنظرا لعمق تلك الروابط التي كانت وما زالت وستظل تربط بين الصحراويين وملك المغرب و تجذرها المتين وتشبثها بالعروة الوثقى التي لا تنفصم لا يمكن لأية محاولة ايا كانت وكيفما كانت المدة التي تطول فيها أن تنال من هذه الوحدة ولا من رابطة البيعة التي هي في أعناق كل الصحراويين. هاته البيعة التي تم تأكيدها لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، فور اعتلائه عرش أسلافه المنعمين من طرف كافة الصحراويين.
وانطلاقا مما سلف، نقول للجماعة التي تقود جبهة البوليساريو بأنه لا فائدة من وراء الشعارات ولا طائلة من وراء التشبث بالمستحيل ولا نتيجة من العناد الغير المعقول. كيف لا والتاريخ القريب المتعلق بهذا النزاع كفيل بإعطائنا دروسا عن ما يجب استخلاصه.
ومن الضرورة الملحة التفكير جليا في تغيير أسلوب هذه الجماعة التي تراهن على السراب وتحلم بأمر لن يتحقق أبدا إن شاء الله.
لقد حان الوقت أن تعيد جبهة البوليساريو حساباتها وترتب أوراقها وتعلم، كما أنها تعلم فعلا، كمنظمة وكأشخاص بأن الاستفتاء الباطل المبني على تحديد الهوية المزورة لن يتحقق أبدا وبأن انفصال الصحراء عن المغرب لن يتحقق كذلك أبدا وأن إطالة هذا النزاع لا فائدة من ورائها.
كما حان الوقت لهاته القيادة أن تعلم أن وجود المخيمات في تندوف يعتبر كارثة إنسانية وكارثة أخلاقية وكارثة مجتمعية.
فإذا لم يكن لنا أن نقبل أبدا الأسباب المبيتة التي احتجز على أساسها الناس بتندوف في الجزائر لأنه لا مبرر لها، ولا يمكن قبول استعمال المخيمات كوسيلة للاسترزاق السياسي بجلب عواطف الأجانب كما لا يقبل أبدا أن تستعمل كصك تجاري يمكن لأي كان أن يستغله كورقة رابحة.

إن الأوضاع المزرية للمخيمات سببها البوليساريو لأنها هي التي خططت لوجودها هناك. و إذا كان سكان هذه المخيمات يعيشون ظروفا صعبة لا تطاق فالسبب هو جبهة البوليساريو التي حاصرتهم هناك أكثر من ثلث قرن في خرق سافر لحقوق الإنسان. وإذا كان تشتت العائلات أضر بالناس فسببه هو جبهة البوليساريو التي أرادت التشرذم والتفرقة للعائلات وإذا كان الجميع لا يتمتع بأوراق هوية فسببه البوليساريو التي حرمت الناس من الرجوع إلى أصولهم.
الحقيقة أن جبهة البوليساريو ومن يحركها لاعتبارات هيمنية على حساب معاناة فئة من سكان الصحراء المحتجزين، وخليط من المرتزقة وضحايا مآسي منطقة الساحل، ارتكبت خطأ فادحا باستغلالها لسكان مخيمات الحمادة بتندوف كورقة سياسية خاسرة لا يرجي من ورائها ربح وعواقبها على الساكنة وخيمة وجسيمة.
فجبهة البوليساريو ارتكبت بذلك أكبر انتهاك لحقوق الإنسان: الحقوق الجماعية بمنع الناس من الرجوع إلى ديارهم لمدة طويلة، وانتهاكات فردية بضياع الكثير منهم لممتلكاتهم وحتى ضياع حياتهم.
أما الآن فقد جاء المغرب بمقاربة جديدة لحل هاته القضية، هاته المقاربة الشجاعة والمقدامة المبنية على المصالحة والمسؤولية ونسيان مخلفات الماضي و فتح صفحة جديدة من التراضي والتآخي و التعانق وذلك بإقرار الحكم الذاتي فإنه أصبح من الواجب إذن على قادة جبهة البوليساريو أن يغتنموا هذه الفرصة التي تتيح لهم الخروج من الورطة التي وقعوا فيها وذلك بقبول مشروع الحكم الذاتي في أسرع وقت ممكن والتخلي عن المواقف المزدوجة وعن الأحلام الكارثية إذا كانوا فعلا يسعون إلى مصلحة أبناء الصحراء وإذا كانوا حقيقة يحترمون مصلحة المنطقة، هذا إذا كانوا قادرين على استخلاص العبر مما مروا به من محن.
ولكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تنازلت قيادة جبهة البوليساريو عن الشمولية الدكتاتورية كمذهب للحكم وإتباع طريق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان واحترام الرأي والرأي المخالف. وأخيرا عدم استعمال المخيمات للمساومة السياسية والاغتناء غير المشروع على حساب بؤس المحتجزين.
هذا في حالة إذا ما كانوا يتمتعون بحرية القرار. ويحق لنا أن نشك في ذلك، إذ كيف يمكن لمنظمة توجد على تراب أجنبي ممولة بأموال أجنية أن تكون لها الحرية في القرار. هل فعلا تتمتع جبهة البوليساريو بحرية هذا القرار؟ إذا كانت كذلك لماذا لا تتبع السبل المؤدية إلى مصلحة أبناء المنطقة وتقر بمشروع الحكم الذاتي الذي هو مقبول و منتظر من طرف غالبية أبناء الصحراء.
إذا كانت تتمتع بحرية القرار كما تدعي. لماذا لا توافق على الحل الوحيد الممكن القابل للتطبيق والمشرف في نفس الوقت الذي هو الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة المغربية؟
من حقنا أن نشك أن جبهة البوليساريو تتمتع بحرية القرار.
ولهذا فنحن واثقون أن الغالبية العظمى من الصحراويين أينما كانوا وخصوصا المتواجدين في المخيمات راضون بالحكم الذاتي كحل مناسب، لكنهم مع الأسف لا يشاركون في اتخاذ القرار لأنهم رهائن أوضاع مزرية.
من المؤكد أن جميع المؤشرات تشير إلى أن هناك انفصاما يجري حاليا بين سكان المخيمات والقيادة المفروضة والمعزولة والمتجاوزة لجبهة البوليساريو.
السكان يريدون الرجوع إلى ديارهم بطريقة مشرفة و كريمة للمساهمة في المسيرة التنموية الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و الثقافية في المنطقة و التمتع بحياة طبيعية عادية كجميع الناس.
والقيادة تختبئ وراء أجندة غير معلنة وتتهرب من اتخاذ القرار الحاسم لأنها وضعت ولأول مرة أمام مسؤوليتها إن كانت فعلا قيادة صحراوية. فإما أن تختار الحل المشرف و إما أن تختار اللاحل:
الخيار المشرف واضح وجلي يضمن الحقوق كل الحقوق سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية لسكان الصحراء ويخول لهم تسيير شؤونهم بأنفسهم آمنين مطمئنين كما انه يرضي جميع الاطراف:
يرضي المجتمع الدولي الذي ساند حل التراضي المبني على الحكم الذاتي والذي يسمى دوليا: الحل السياسي.
ويرضي بلدان المغرب العربي بنزع فتيل هذا النزاع العقيم الذي أخر بناء اتحاد المغرب العربي أكثر من اللازم.
أما اللاحل فهو مراوغة قيادة البوليساريو: فهذا الخيار يعني استدامة النزاع لأن المطالبة بالمستحيل هي إرادة واضحة لاستدامته، واستدامته تعني الخضوع لأجندة غير معلنة: أي إدعاء حق يراد به باطل.
وهذه الأجندة المبطنة هي الخطيئة الأصلية التي تأسست عليها جبهة البوليساريو والتي لا تسمح لأية قيادة أن تتمتع باستقلالية القرار.
إلا أن العالم، ولله الحمد، قد تغير ووسائل الإعلام أصبحت تسمح لأي مواطن أينما وجد أن يطلع على الحقيقة الكاملة وأصبح من باب المستحيل دوام الكذب والمراوغات وازدواجية المواقف.
ولهذا فإننا اليوم، وعشية انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات، التي ستنطلق في الأسبوع الأول من شهر يناير 2008 بمنهاست سنناقش موضوع الحكم الذاتي: حل نهائي لتحقيق المصالحة والعودة الكريمة. ونتمنى أن تكون الجولة القادمة مناسبة لإبراز حسن نية الطرف الآخر، حسن نـية مبني على الصدق واحترام إرادة الصحراويين في رغبتهم في العيش في الوطن الأم المملكة المغربية وفي ظل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وبالقيادة السديدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده حتى نضع حدا نهائيا لهذا الكابوس المظلم الذي تعيش فيه ساكنة مخيمات تندوف ونفتح بذلك صفحة جديدة من السعادة والتقدم والرفاه لكافة أبناء هذه المنطقة.
وفي هذا السياق وسيرا على النهج الملكي الراسخ باقتران الوحدة بالتقدم والديمقراطية والتنمية، فقد أبى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، إلا أن يأمر بأن يضم جدول أعمال هذه الدورة نقطة تنموية تتعلق بدراسة إشكالية النقل الجوي والشبكة الطرقية بالأقاليم الجنوبية لما لهذا القطاع من أثر على انفتاح الأقاليم الصحراوية وتقدمها وتحفيز الاستثمار وحرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال والتبادل، مستحضرين المنجزات وعاملين على الانخراط الجاد في إنجازها كقوة اقتراحية ومجلس مرتبط بحاجيات السكان، واضعين نصب أعيننا أن حل تنمية وتقدم الصحراء الموحدة بالوطن الأم لا يمكن أن ينتظر مناورات الآخرين وإننا سنصنعها أولا بإرادتنا و على أرض الوحدة.

و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

 

 

 

 الموقع لا يتحمل مسؤولية سير عمل ومضمون الروابط الإلكترونية الخارجية !
جميع الحقوق محفوظة © المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية 2024