بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و آله وصحبه
حضرات السيدات و السادة
بتوفيق من الله وعونه، نستهل أعمال الجلسة الافتتاحية الأولى للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وذلك أياما قلائل بعد تنصيب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لأعضائه الجدد خلال زيارته التاريخية إلى أقاليمنا الجنوبية.
في البداية، لابد أن نثمن ما ورد في خطاب جلالته بمدينة العيون من مضامين نؤيدها جملة وتفصيلا، ونحن ممنونون لجلالته أن قيض الله على يديه الكريمتين أمر جمعنا في هذا اليوم المبارك السعيد بعاصمة ملكه، ولا يسعنا إلا أن نهنئ أنفسنا على الثقة المولوية الغالية التي وضعها فينا جلالته. ومن المؤكد أن كل واحد منا يستشعر في قرارة نفسه ثقل الأمانة التي قلدنا إياها أمير المؤمنين، وهو ما سيكون حافزا لنا للتعبئة والتأطير حتى نتمكن من النهوض بإصرار وتحد بهذه المسؤولية، لنكون عند حسن ظن جلالته، وفي مستوى تطلعات وطموحات سكان الصحراء المغربية العزيزة على قلوب جميع المغاربة، وندعو لجلالته بموفور الصحة ودوام العافية، حتى يواصل المسيرة لتحقيق مغرب ديمقراطي وموحد ينعم بالأمن والاستقرار.
حضرات السيدات و السادة
لقد شكلت الزيارة الملكية الميمونة للأقاليم الجنوبية منعطفا تاريخيا بالنسبة لمنطقتنا، بالنظر لحمولتها الرمزية وأبعادها السياسية وما تضمنته من رسائل سياسية واضحة لمن يعنيهم الأمر داخليا و خارجيا، وبالنظر أيضا لما خلفته في نفوس الصحراويين من ارتياح وطمأنينة وثقة في المستقبل، وهي إشارات عميقة الدلالة تصب في اتجاه وضع حد لمرحلة اتسمت بما اتسمت به من سلبيات و مؤاخذات على أسلوب التعاطي مع المنطقة وأنبائها، وتبادر إلى خوض غمار مرحلة واعدة تطبعها المكاشفة والمصارحة والمصالحة مع الذات ومع الوطن من أجل بناء مستقبل مشرق لأجيالنا الصاعدة وكافة أبناء الأقاليم الجنوبية أينما وجدوا.
إذن نحن على موعد مع محطة تاريخية بارزة في مسار بلادنا، لن نسمح لأنفسنا بعد اليوم أن نضيعها كفرصة السانحة كما ضاعت منا العديد من الفرص في السابق، فلنكن في مستوى هذا الموعد، و في مستوى هذه المحطة التاريخية.
ذلكم أن عاهلنا المفدى في خطابه السامي بالعيون يوم 25 مارس 2006، تفضل برسم معالم الطريق التي سنستنير بها في المهمة المنوطة بنا، وبوضع الإطار الذي سيتحرك فيه المجلس باعتباره مؤسسة دستورية تستمد قوتها من الإرادة الملكية السامية، وهو ما سيعطي لهذه المؤسسة الدينامية اللازمة والقيمة الإضافية المطلوبة، الأمر الذي سيعزز دورها دون أدنى شك، وسيتيح لنا نحن أعضاء هذه المؤسسة إمكانية العمل بجدية وبتفان ونكران ذات وبالوطنية الصادقة، وسيمكننا من ممارسة اختصاصاتنا بدون قيود أو عقبات سياسية أو عراقيل إدارية أو بيروقراطية، لأن ما يجمعنا ويوحدنا اليوم في هذا المجلس الذي أضفى عليه جلالته صفة ًالملكيً، هو حبنا للوطن وتعلقنا بالعرش العلوي المجيد من أجل خدمة المصالح العليا للوطن.
حضرات السيدات و السادة
من هذا المنطق، عمد حفظه الله إلى إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية من أجل تفعيله من خلال تركيبة جديدة، وتخويله اختصاصات وصلاحيات تمكنه من الإسهام في النهوض بهذه الأقاليم اقتصاديا واجتماعيا بتعاون وطيد مع السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة، والدفاع عن مغربية الصحراء والتعبير عن التطلعات المشروعة لساكنة المنطقة المشمولين برعاية وعطف ساميين من صاحب الجلالة نصره الله.
وقد أبى جلالته إلا أن يجعل من مجلسكم هذا قوة اقتراحية ومخاطبا يعول عليه ومبديا لمشورته في القضايا العامة والخاصة ذات الصلة بالدفاع عن الوحدة الترابية والوحدة الوطنية للمملكة وبالتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المندمجة.
إن قوة مجلسكم وحيويته تكمن في هذه التركيبة المتنوعة والمتعددة التي تضمن تمثيلية واسعة ومتكافئة، تضم كل شرائح وأطياف المجتمع الصحراوي من منتخبين وأعيان القبائل الصحراوية وشيوخها ووجهائها، وناشطين في منظمات المجتمع المدني، ومثقفين ومفكرين وسياسيين، ومنحدرين من الأقاليم الجنوبية المقيمين بالخارج، ومحتجزين عائدين من تيندوف، وفاعلين اقتصاديين، وشخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والوطنية.
ومما يثلج الصدر ويبعث على الأمل ويمكن من الاستمرارية، أن يتواجد معنا في هذا المجلس جيل جديد من شباب وشابات أبناء الصحراء الذين عبروا عن رغبتهم وطموحهم المشروع في الانخراط في النقاش والحوار الدائر حول القضايا المصيرية التي تهم المنطقة و ساكنتها. وهذا الجيل الواعد الذي يشع حيوية ونشاطا ، نعتبره ثمرة نضال جيل من الآباء الرواد الذين أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن وحدة المغرب وسيادته، فكل تقديرنا للرعيل الأول من الرواد، و كل الفخر والاعتزاز بالجيل الصاعد الذي عبر دوما عن إرادة صلبة لتسخير كل قدراته وطاقاته من أجل لعب دوره الأساسي الذي نعترف له به، والذي كان له الأثر البالغ في تطور المنطقة وانفتاحها على آفاق رحبة.
حضرات السيدات و السادة
إن ما ينبغي أن نركز عليه أكثر بنفس الإصرار والعزيمة في تحركاتنا وأنشطتنا ومبادراتنا، العمل على تيسير سبل عودة إخواننا من المخيمات إلى وطنهم لينعموا بالدفء الذي طالما افتقدوه بعيدين عن أحضان وطنهم وذويهم، وذلك بنهج أسلوب حضاري في التواصل والإقناع، برحابة في الصدور وصفاء في النفوس، حتى نتمكن من إجلاء الحقائق، وإبراز الواقع الجديد الذي أصبح عليه المغرب اليوم، والذي لا يمت بأية صلة لمغرب السبعينات، بفضل السياسة المنفتحة لجلالة الملك حفظه الله الذي يؤسس لقطيعة مع مخلفات الماضي بسلبياته وأخطائه وآلامه، علما منا أن وحدة الوطن في ظل الانفتاح السياسي والمشاركة الفعالة والكاملة في تدبير الشأن العام، ستبقى الخيار الحقيقي والملاذ الوحيد لكافة الصحراويين مهما اختلفت مشاربهم وتعددت مواقعهم وتنوعت مواقفهم وتوجهاتهم، لنؤكد للعالم أجمع أن الذين يرفعون شعار الانفصال والتفرقة معزولون لا يمثلون إلا أنفسهم، لأنهم من موقعهم إياه في واد يهيمون بعيدين عن الواقع وعن هموم السكان، لا يجاريهم في أوهامهم وأطروحاتهم إلا من هو جاحد أو مغرر به.
حضرات السيدات و السادة
قبل أن أختتم كلمتي هذه، لا أرى مانعا من تذكيركم بأننا ملزمون بوضع مشروع النظام الداخلي للمجلس لعرضه على أنظار صاحب الجلالة للمصادقة عليه، وذلك طبقا للمادة الرابعة عشرة من الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.
كما أننا مطالبون بانتخاب تسعة نواب للرئيس يشكلون مكتب المجلس. وطبقا لمقتضيات المادة التاسعة من الظهير الشريف المذكور، فإن عملية انتخاب المكتب تنحصر في الأعضاء الذين لهم الصفة التداولية، وذلك عن طريق الاقتراع الأحادي بالأغلبية النسبية.
نسال الله العلي القدير أن يوفقنا في مأموريتنا ويكلل أعمالنا بالنجاح، وأن يقي بلدنا من شر كل مكروه وبلاء، وأن يسدد خطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وأن يشد أزره بصنوه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.