Document sans titre  
الـعـربية Español Français English Deutsch Русский Português Italiano
الجمعة 17 ماي 2024
أنشطة دولية

كلمة المملكة المغربية (ألقاها السيدان بنموسى وخليهن)

الجزء الأول من الكلمة يقدمه السيد شكيب بنموسى، وزير الداخلية، بينما الجزء الثاني يقدمه السيـد خليهـن ولـد الرشيـد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

سعـادة المبعـوث الشخصـي،

معشـر الحضـور الكـرام،

يطيب لي باسم الوفد المغربي، أن أشيد بروح الأمل المضيء الذي يغمرنا جميعا، ونحن نلتقي اليوم، بتوفيق من الله، وبرعاية الأمم المتحدة، وبفضل إرادتنا المشتركة، بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء. مجددين صلة الرحم بفئة من إخواننا الصحراويين. فنحن أفراد أسرة واحدة. ومهما افترقت بهم السبل حيناً من الدهر، فإن مآلهم الطبيعي أن يعودوا إلى الحضن الرحيم للوطن-الأم، وفاء للقيم الإسلامية السمحة، واستجابة لمنطق التاريخ، وإيمانا بحتمية المستقبل المشترك.

كما أتوجه إليكم، وإلى معالي السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بخالص تشكرات المملكة المغربية، على الجهود التي بذلت، من أجل تحضير وتنظيم هذا اللقاء، الذي لا تكمن أهميته في انعقاده الرسمي، في حد ذاته، وإنما في اعتبار المغرب إياه منطلقا تأسيسيا للتفاوض الجاد، من أجل إيجاد حل سياسي لمسألة الصحراء، وفق القرار السديد لمجلس الأمن، رقم 1754.

وإننا لنعرب عن سرورنا بتوفير هذه الفرصة، التي تتيحها المبادرة المغربية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء، للالتقاء بإخوة قرباء، للعمل معهم، بكل إرادة وثقة وعزم، على صنع مستقبل واعد لمنطقتنا. ذلكم أن الشعب المغربي، وخاصة سكان صحرائه، وكذا مجموع الشعوب المغاربية، يعلقون آمالا كبيرة على هذا الاجتماع الهام. فلنكن جميعاً إذن في مستوى تطلعاتهم.

لقد بادر المغرب، مفعما بهذه الإرادة البناءة، وبدون أدنى تردد، إلى الاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، مبرهنا بانخراطه في هذا المسعى الحميد، عن حسن نيته وعزمه الراسخ والمتجدد، على التعاون مع الأمم المتحدة، وكذا مع كافة الأطراف، من أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي.
كما نعبر عن ارتياحنا لحضور البلدين الجارين الشقيقين، الجزائر وموريتانيا. فللجزائر الشقيقة التي تحتضن طائفة من الصحراويين فوق ترابها، نتوجه إليها مجددين التأكيد بأنها ستجد لدى المغرب الآذان الصاغية، لكل مقترحاتها الوحدوية البناءة، من أجل دعم تسوية نهائية لهذا النزاع، ووضع حد لمشكل إنساني على أراضيها.

وإننا لننتظر أن تسخر الجزائر الشقيقة كل إمكاناتها، للإسهام الإيجابي في الجهود المبذولة، لحل هذا النزاع المفتعل. كما نعول على جنوحها إلى الحكمة والتبصر، وارتقائها إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية، لما هو معروف عن الشعب الجزائري الأبي، من اعتزاز بالتحامه بشقيقه الشعب المغربي. وبذلك ندخل التاريخ جميعاً من باب الوحدة ووشائج الأخوة والتعاون وحسن الجوار التي هي مصيرنا الحتمي.

كما نود أن نتقدم أيضاً بعبارات الشكر والتقدير للوفد الموريتاني، لأن موريتانيا الشقيقة كانت تسعى دائماً إلى تقريب المواقف، معتزين بالأواصر الأخوية العريقة التي تربطنا بالشعب الموريتاني، وبعلاقات التعاون والتفاهم والتضامن وحسن الجوار، التي تجمعنا به على الدوام.

سعـادة المبعـوث الشخصـي،

معشـر الحضـور المحترميـن،

لقد حضرنا لهذا الاجتماع التاريخي، بثقة وعزم وصدق طوية، لنقول : نعم للبحث عن حل سياسي توافقي، باعتباره السبيل الأوحد، لإيجاد تسوية واقعية، ونهائية لهذا النزاع، بعيدا عن المحاولات غير المجدية، لبعث الروح في مقترحات بائدة، واتضح بشهادة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأمنائها العامين المتعاقبين، ومبعوثيهم الشخصيين، أنها لم تكن قابلة للتطبيق، ولا يمكنها أن تفضي إلا إلى عرقلة المفاوضات، ووضعها في مأزق مسدود.

والواقع، أنه برغم الجهود الحميدة والمستمرة المبذولة، فقد استحال على منظمة الأمم المتحدة التوصل إلى حل واقعي. بل لاحظت في العديد من قراراتها، وهذا هو الأدهى والأمر، أن هذه القضية لا تبارح مكانها في النفق المسدود. فالمنتظم الأممي قد أقر، بكل اقتناع ووضوح، بأن مخطط التسوية لسنة 1991 كان غير قابل للتطبيق، وبأن الاتفاق الإطار لسنة 2001 ومخطط السلام لسنة 2003،  كانا غير عمليين بسبب عدم اتفاق الأطراف بشأنهما.

وأمام هذا الجمود، الذي ينذر بالاستمرار إلى ما لا نهاية، على حساب وحدة واستقرار شعوب المنطقة وتقدمها، واستجابة من المغرب لمختلف النداءات الصادرة عن الأمم المتحدة والعديد من البلدان الشقيقة والصديقة، قرر بكل إقدام، وفي إطار الإجماع الوطني، اقتراح مسار آخر للحل. وذلك بطرحه في أبريل الماضي، للـ"مبادرة من أجل التفاوض بشأن حكم ذاتي لجهـة الصحراء". إنه اقتراح للتراضي يعقد عليه المغرب آمالا كبيرة، وبذل من أجله جهودا جبارة.

وقد أقدم بلدنا، بما هو معهود فيه من مسؤولية وتبصر، على تقديم تنازلات وتضحيات جسام في سبيل تحقيقه. في إطار المسار النموذجي الحضاري، للمصالحات التاريخية الجريئة، التي يعتز بإنجازها. تلكم المصالحات التي هي محط تنويه المجموعة الدولية وقواها الديمقراطية، والتي أراد المغرب تتويجها بهذه المبادرة، مجسداً إرادة كل المغاربة في بناء مغرب جديد، ديمقراطي وحداثي.

وتثمينا لهذا المسار، فقد رحب مجلس الأمن في قراره 1754 الذي نعتز بوصفه المغرب بالجدية والمصداقية، "بالجهود التي يقوم بها المغرب، من أجل المضي قدماً بالعملية صوب التسوية". وهذا ما يجعلنا أمام حركية جديدة نابعة من المبادرة المغربية. وهو ما حدا بمجلس الأمن أن يطلب من الأطراف الشروع في المفاوضات. وتأكيداً لهذا التوجه الصائب، فقد عزز المجلس هذا القرار بالدعوة إلى ضرورة أن تأخذ المفاوضات بعين الاعتبار "التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة".

لكن ما عسى أن تكون هذه التطورات ؟ إنها بشهادة القوى الفاعلة في المنتظم الدولي ومختلف مكوناته، المبادرة المغربية التي تم طرحها، بعد مسار من الإعداد الجدي،  ومشاورات موسعة ومعمقة، محلياً ووطنياً ودولياً، بصفة ديمقراطية، وبتصور شمولي، لا يتوخى الاقتصار على مصالحة كل أبناء الوطن من الصحراء فحسب. وإنما يتجاوزه إلى بلورة منظور استراتيجي للمنطقة بأكملها.

لقد دقت ساعة الحقيقة، معلنة نهاية زمن التردد والمراوغة والتحجر، والمناورات والتأويلات المغرضة. فقرار مجلس الأمن رقم 1754، إذ يشكل قطيعة مع القرارات السابقة. فإنه يعد مرجع الالتزام الوحيد والجديد الذي يدعونا المنتظم الدولي للتفاوض والتوافق لتفعيله بحسن نية.  فقد حدد هذا القرار بوضوح إطار هذه المفاوضات. وجعل من التوافق وسيلتها، ومن التوصل إلى حل سياسي توافقي منصف ونهائي هدفها، بما يكفل تقرير المصير.

حل سياسي : بمعنى استبعاد استعمال القوة والتهديد، واللجوء إلى العنف والترهيب، بكل أشكاله. وهو ما لم يلجأ إليه المغرب قط، حتى في أشد الظروف حرجاً وتأزماً، متحلياً في كل مواقفه بالحكمة والرزانة ورباطة الجأش. إيماناً منه بأن ما قد يشوب علاقات الأخوة من اختلاف، لا يمكن تدبيره بالقوة، متمسكاً في كل الأحوال بالمواثيق الدولية القائمة على التسوية السلمية للنزاعات. كما أن الحل السياسي، الذي نحن على استعداد للتعاون مع مجلس الأمن، من أجل التوصل إليه، يعني أيضاً تجاوز واستبعاد مقترحات الحلول السابقة، التي أكدت التجربة عدم جدواها بل واستحالة تطبيقها.

حل توافقي مؤداه أنه لا مجال للحلول الانفرادية. وهذا ما جعل المغرب يقترح مبادرته أساسا للتفاوض، وليس نهاية له، وأن الاتفاق على الحل سابق لكل خوض في الجزئيات.

حل منصف، لا غالب فيه ولا مغلوب، بدلا من وضع يبقي على التوتر. وحل نهائي لا رجعة فيه، يمكننا من الانكباب على المشاكل الحقيقية للأجيال الصاعدة، في الوحدة والديمقراطية والتنمية. حل يكفل تقرير المصير في شكله الحديث ومنطوقه السليم، الذي ينص على صيانة وحدة الدول وسلامة أراضيها من التجزئة والتقسيم. وهو الحكم الذاتي المتفق عليه.

فالمبادرة وما أعقبها من قرار لمجلس الأمن، شكلت تحولا حاسماً، يقوم على الإقرار بالحقيقة التاريخية، والواقعية السياسية، والالتزام بالشرعية الدولية. وفي تصورها للمفاوضات، فإن المملكة المغربية حريصة على التمسك بالجدية والمصداقية التي يشهد بها الجميع. عاملة على أن توفر لها، بحسن نية وانفتاح، كل أسباب النجاح، مبدية كامل استعدادها الإيجابي لإيجاد حل لهذا النزاع الذي طال أمده، مستلهمة روح مبادرتها البناءة.

سعـادة المبعـوث الشخصـي،

معشـر الحضـور المحترميـن،

إن المبادرة المغربية، ليست مقترحا جامدا أو متحجرا، أو مقدسا غير قابل للنقاش. وإنما هي مبادرة مفتوحة للإغناء والتطوير، والاستكمال في إطار التفاوض التوافقي. لذلك، فإننا نجدد استعدادنا لمناقشتها، باعتبارها تشكل القاعدة الأكثر ملاءمة لحل سياسي نهائي. وتمثل حلا وسطا تاريخيا. حلا إيجابيا يتطابق مع الشرعية الدولية ومبدأ تقرير المصير، كما هو منصوص عليه في قرارات الجمعية العامة، وتزكيه الممارسة الدولية.

وكما ينص على ذلك قرار مجلس الأمن، فإن الاتفاق المتفاوض بشأنه، هو وحده الذي سيبلور تقرير المصير. وفي هذا الإطار، يعتبر الحكم الذاتي، كما هو مطبق في الأنظمة الديمقراطية، والقانون المعاصر، وبفعل الحقوق التاريخية والروابط المقدسة بين المغرب وصحرائه، أداة ملائمة لممارسة هذا الحق، الذي يدعو المغرب إلى تطبيقه، بل إن التطور الديمقراطي للمملكة يجعلها مؤهلة لحسن تفعيله، بطريقة ملائمة، لخصوصيات المغرب والمنطقة، وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الوطنية والترابية غير القابلة للمساومة. باعتبار الصحراء، قبائل وتراباً، مكوناً أساسياً من مكونات الهوية المغربية الموحدة، التي لم ينفصل فيها المغرب عن صحرائه عبر العصور.

إنها أيضا مبادرة تراعي بشكل تام المعايير الدولية. فالاختصاصات الواسعة التي تمنحها لجهة الصحراء، ستمكن كافة المنحدرين منها وساكنتها من المساهمة في صنع مستقبلهم، في إطار وطن موحد ومتضامن. وهي تنسجم كليا مع المشروع المجتمعي للمغرب الجديد، الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، نصره الله. مغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحداثة والتنمية البشرية. مغرب منفتح على محيطه الإقليمي.

فالمقترح المغربي، يضمن لكافة الصحراويين، سواء كانوا داخل جهة الصحراء أو خارجها، مكانة كريمة ومواطنة كاملة. بل ويتيح لهم الفرصة للاضطلاع بدور طلائعي، في مختلف هيئات منطقة الحكم الذاتي، بصفة خاصة، وكافة مؤسسات وأرجاء وأجهزة وطنهم المغرب، بكل حرية.

وفضلا عن ذلك، فإن الأمر يتعلق بمبادرة للسلم، وبدعوة للمصالحة الشاملة وتعميق الروابط الأخوية بين العائلات والقبائل ولمّ شملها. وإن المغرب ليدعو إلى تضافر جهود الجميع، حتى لا يحول المدبرون للنزاع والمستفيدون الحقيقيون منه  بين افراد نفس الأسرة. كما أنها تشكل فرصة ثمينة لوضع حد لمعاناة واغتراب السكان، الذين قاسوا من ويلات التفرقة والحرمان.

وفي هذا الصدد، فإن المغرب بهذه المبادرة، يظل فاتحاً ذراعيه لاحتضان كافة أبنائه. كما يؤكد استعداده لإنجاز مصالحة تاريخية بين أبناء الصحراء، مهما كانت مشاربهم. ذلكم أن الحكم الذاتي، المتوافق بشأنه، كفيل بجعل مصيرهم بأيديهم، من خلال إقرار الاتفاق النهائي بشأنه باستفتاء.

سعـادة المبعـوث الشخصـي،

معشـر الحضـور المحترميـن،

لقد مضت أكثر من ثلاثين سنة، تغيرت خلالها الظروف الإقليمية والدولية. كما تطور المغرب بدوره على كافة المستويات، ووضع العالم حدا للحرب الباردة، التي يعد هذا النزاع من إرثها السيء. ولذلك، أضحى من الضروري الانفتاح على عالم اليوم، والعمل على رفع التحديات الجديدة، التي تفرضها مستلزمات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وصيانة الكرامة الإنسانية، وتقتضيها متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاندماج المغاربي، والاستقرار والتعاون الساحلي والمتوسطي، والحفاظ على السلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.

والمملكة المغربية، الملتزمة في سياستها الداخلية والخارجية بهذا النهج، لتدرك تمام الإدراك، جسامة هذه التحديات والرهانات. لذلك، فإنها ترفض كل نزوع للانغلاق والزج بالمنطقة في نفق مسدود، ينذر بشتى المخاطر. بل إنها تؤمن بأن عهد الدوغمائيات قد ولى، بعد سقوط جدار برلين، وأن العولمة تجتاح عالمنا بإكراهاتها، التي تنهار أمامها كل الإيديولوجيات، التي أصدر التاريخ حكمه الذي لا يرحم في طوباويتها. فلنعمل على ألا نخلف الموعد مع عصر التكتلات القوية، ورفع التحديات الديمقراطية والتنموية، والتصدي للمخاطر الإرهابية لعالم ما بعد 11 شتنبر 2001.

إن مسلسل المفاوضات، الذي نشرع فيه اليوم، يضعنا أمام مسؤولياتنا، تجاه الأجيال القادمة، التي تسائل كل ذي ضمير حي :
 هل يراد استفحال المأساة الإنسانية، التي يعيشها إخواننا الصحراويون في المخيمات، ومضاعفة حدتها ؟ كلا. إننا لا نرضى بذلك. بل نريدكم أن تعيشوا في وطنكم، وأنتم تنعمون بالحرية التامة والكرامة المصونة، وكل شروط المواطنة الكاملة.

 وهل المقصود تأجيج التوترات في المنطقة، وبالتالي فتح الطريق أمام البلقنة، مع كل ما يحمله ذلك من عدوى، قد تكتوي بلهيبها وفتنتها كل شعوب وقبائل المنطقة ؟ إننا حريصون على تحصينها من التجزئة وعدم الاستقرار، وتوحيدها في زمن التكتلات القوية.

 وهل نبقى مكتوفي الأيدي، أمام تفاقم التهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة والإرهاب ؟ أم علينا تحصين بلداننا من هذه المخاطر، التي لا وطن لها ولا دين ؟ إن أمن واستقرار المغرب وجيرانه، والمنطقة برمتها، كل لا يتجزأ.

فالمستقبل هو للمصالحة والسلم، والتعاون الإقليمي، الذي يفسح الطريق أمام بناء اتحاد المغرب العربي، ببلدانه الخمسة، طبقا لروح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية. ذلكم الاتحاد المغاربي الذي يعد خيارا استراتيجيا، لا مندوحة عنه، بالنسبة للمملكة المغربية، وكذا لتعزيز التضامن الإفريقي، وتوطيد العلاقات والروابط مع الشركاء في المنطقة.

وإننا لواعون بأن الأمر يتعلق بمسار شاق وطويل. ولكننا مصممون على المضي قدما لإنجاحه، بروح بناءة، وبنهج الحكمة والتبصر والنظرة المستقبلية. ولن نكترث بالمناورات والدسائس والاستفزازات، صونا لمعاهدة مراكش التأسيسية ولأواصر الأُخُوة. وإن المغرب، بقيادة ملكه أمير المؤمنين، وبإجماع كافة مكوناته وقواه الحية، لجد مقتنع بأن هذه الأهداف قابلة للتحقيق. واليد الممدودة اليوم، إلى إخواننا المنحدرين من الأقاليم الجنوبية للمملكة، وإلى جيراننا وشعوبهم الشقيقة، هي يد ملؤها الإخلاص والنية الحسنة، لا تشوبها حسابات ضيقة.

وهي نفس اليد، التي نمدها إلى أشقائنا الجزائريين، الذين نعتمد على إدراكهم لمدى تشبث المغاربة قاطبة بثوابتهم ومقدساتهم، وفي طليعتها الوحدة الوطنية والترابية للمملكة وسيادتها. وإننا لحريصون على جعلها مبسوطة لإخواننا، مهما كانت مصاعب الطريق. فلنتعاهد على العمل يداً في يد، فاليد الواحدة لا تصفق.

وإن المملكة المغربية اليوم، لتجعل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، شهودا على التزامها العلني، بالانخراط في مفاوضات جادة، بفكر منفتح، وصدر رحب، وباقتناع وإرادة راسخين، لإيجاد حل سياسي توافقي ونهائي، وفاء لأخوة مشتركة راسخة، وتجاوب مع حتمية مستقبلية اندماجية.

ولتحقيق ذلك، فإن المغرب يعتمد على مساندتكم وحكمتكم، سعادة المبعوث الشخصي، وعلى الإرادة الصادقة لمعالي الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن والقوى الدولية الفاعلة. ويأمل في أن تغتنم كل الأطراف هذه المناسبة، وتتحرك بنفس روح الانفتاح والصلح والصفح الجميل، التي هي من صميم تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف. هدفنا نجاح هذا المسار الذي لا بديل عنه. ونحن مستعدون للعمل معهم جميعا، واتخاذ كافة المبادرات والقرارات اللازمة، لتفعيل مبادرة الحكم الذاتي المقدامة، بكل مسؤولية وحزم، واستشعار قوي ووعي تام بمتطلبات المرحلة، بنفس الجدية والمصداقية التي طبعت مبادرة المغرب للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء المغربية.

 أقول التفاوض ثم التراضي، حتى الاتفاق السياسي. اتفاق نهائي، في نطاق الأمم المتحدة حول الحكم الذاتي الموسع، ولا شيء غير الحكم الذاتي، المطابق للخصوصيات والثوابت المحلية والوطنية، وللمعايير العالمية الديمقراطية، والشرعية الدولية بمعناها الحق، التي تجمعنا اليوم.

إنها الفرصة التاريخية التي تشد إليها أنظار العالم من حولنا. فلنكن في مستوى انتظارات شعوبنا المغاربية الشقيقة وأصدقائنا والمجموعة الدولية كافة.

مسلحين بالإيمان الواثق في أننا يجب أن نكون في مستوى مسؤوليتنا التاريخية.

"ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، وأنت خير الفاتحين".  صدق الله العظيم.

            والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.   

 

 الجزء الثاني يقدمه السيـد خليهـن ولـد الرشيـد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية

 السيـد المبعوث الشخصـي للسيـد الأميـن العـام للأمـم المتحـدة

أيهـا الحضـور الكـريـم

أتشرف أن أتناول الكلمة، كعضو في الوفد المغربي بصفتي رئيسا للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. هذا المجلس، الذي يمثل الطاقات الصحراوية على مختلف مستوياتها، تمثيلا يتناسب وتاريخها وتقاليدها وقيمها التي تنبثق من الصدق والإخلاص، والمبنية على موروث، ضاربة جذوره في التاريخ.

هذا المجلس الذي ساهم في هذا التحول العميق والتاريخي، في مقاربة إيجاد حل تصالحي وتوافقي لقضية الصحراء.

إني سعيد اليوم، أن أعبر مباشرة عن رأي الأغلبية، التي قليلا ما كانت تتاح لها الفرصة للتعبير عن رأيها بكل حرية، ويسمع صوتها في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

إن هذا الظرف الذي نعيشه اليوم، يعد فرصة تاريخية ثمينة، لا ينبغي لنا أن نضيعها، فرصة هذا اللقاء الأخوي المباشر، التي يجب أن نغتنمها للخروج بصفة نهائية من هذا المشكل القائم، والذي وصل إلى الطريق المسدود، خصوصا أن الوضع الوطني والجهوي والدولي مناسب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لوضع حد لمعاناة أهالينا في المخيمات، والتفرقة بين العائلات، والإقلاع نحو مصالحة حقيقية، ستكون بدون شك الانطلاقة الحقيقية والصريحة والصادقة، لتطمئن النفوس والقلوب، بحل يرضي الجميع، حل يدخل المسرة والبهجة بلقاء الأحبة، خصوصا لأن وجه الصحراء تغير تغيرا عميقا، بفضل مسيرة التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وترسيخ الديمقراطية.

صحراء اليوم، ليست صحراء الأمس التي ترك الاستعمار، وإنما، بفضل التحولات الواسعة التي طرأت على أهلها و على مجتمعها وعلى المنطقة، أصبحت الصحراء قادرة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، على أن تكون أرض مصالحة وتجاوز جميع مخلفات الماضي.

وكأحد أبناء هذه المنطقة، الذين عاشوا عن قرب جميع تطورات هذه القضية، أستطيع القول بأن موضوع الصحراء يتطلب كثيرا من الموضوعية والواقعية، واعتبار الواقع الذي لا يرتفع، خصوصا فيما يتعلق بالوشائج المتجدرة في التاريخ، والتي كانت دائما قائمة بين أهل المنطقة والمغرب وملوكه الميامين بالبيعة المقدسة، وذلك على مدى قرون.

ولهذه الأسباب، وخلال أكثر من 32 سنة، تبين للقاصي والداني وللمجتمع الدولي، أن كل المحاولات والمقاربات والمخططات التي تجاهلت هذه الروابط باءت بالفشل، لأن كل مخطط أو كل محاولة لا تأخذ بعين الاعتبار عمق هذه العلاقات وتجدرها في نفوس أبناء الصحراء لن تقوم لها قائمة كذلك.

 اعتبارا لذلك، نعتقد بأن الحل الأنسب لهذه القضية، هي المبادرة التاريخية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، التي اشتغل عليها أعضاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بجدية، وبمشاركة حقيقية وصادقة وديمقراطية وشفافة، لوضع مشروع قابل على أن يكون الحل الوسط الذي يرضي الجميع، وهذا هو الحل الوسط الوحيد الواقعي القابل للتطبيق لحل قضية الصحراء، يضمن للمملكة المغربية سيادتها ووحدة ترابها بشكل لا يدع مجالا للشك، ولأبناء الصحراء الاعتراف البين الواضح الحقيقي والملموس بحقوقنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقنا الشرعي في تسيير أمورنا بأنفسنا في أرضنا، تحت سيادة المملكة المغربية، كما أن هذا الحل، هو الذي سيتيح لشعوب المغرب العربي الانطلاق من جديد في بناء هذا الصرح الذي تحلم به شعوب المنطقة.

إن مشروع الحكم الذاتي الذي ساهم أبناء المنطقة في إنجازه بصفة مباشرة وديمقراطية، يتضمن جميع مقومات النجاح، لأنه يوفر جميع المؤسسات والآليات التي ستمكننا نحن أبناء المنطقة جميعا، وبدون استثناء، من الأخذ بزمام مستقبلنا، وذلك من خلال الجهاز الحكومي الصحراوي، وبرلمان الصحراء المنتخب ديمقراطيا، والجهاز القضائي المحلي، وجميع الأجهزة والوسائل اللازمة لحسن سير المؤسسات.

وان لنا مجالا واسعا، وفضاء رحبا، للتفاوض على جميع محتويات البنود المتعلقة بهذه المبادرة، من أجل تحسينها بمقترحاتكم البناءة، منطلقين في ذلك من جوهرها.

إن هذه المبادرة التي شهد العالم أنها جدية وذات مصداقية، ولا سابقة لها، تضمن الحل السريع لهذه القضية، والخروج من هذا النزاع في أقرب الآجال. كما أن تطلعات أهالينا والمجتمع الدولي وشعوب المنطقة إلى هذا الاجتماع تفرض علينا أن نكون في المستوى المطلوب، وأن نقدر حق قدره هذه الفرصة التي لا يحق لأي واحد منا أن يضيعها، وخصوصا بالنسبة لأبناء الصحراء الذين مسهم الضر من الانتظارية، ومن المواعيد التي لا تحقق، ومن المخططات غير الواقعية.

أهلنا يريدون حلا، ويعلمون علم اليقين، في المخيمات وأينما وجدوا، بأن الحل الوحيد الممكن هو هذه المبادرة، التي لا يجوز لإخواننا في جبهة البوليساريو أن يعتبروا أنها هزيمة أو تنازل، وإنما يجب أن يعتبروها انتصارا لما ناضلوا من أجله منذ 32 سنة، لأنها تضمن كل ما ناضلوا من أجله: التصالح، التوافق وتحقيق مكاسب حقيقية، سياسية اقتصادية وثقافية واجتماعية. فهدف النضال في السياسة هو الحصول على مكاسب ملموسة، وليس النضال من أجل النضال، كما أن الخيارات المطروحة أمامنا قليلة :

فإما اختيار الحل الممكن الواقعي والمناسب، والذي يتوافق مع مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي توافقي، الكامن في مبادرة الحكم الذاتي، التي تعتبر بحق تقريرا للمصير، عن طريق التوافق والتراضي، وتنازل كل طرف عن سقف مطالبه.

وفي اعتقادي أن هذا هو رأي الغالبية العظمى للصحراويين، ومطمحهم ومتمنياتهم أن يتم التوقيع اليوم والخلاص اليوم والانتصار للجميع اليوم ؛
أما الخيار الثاني فهو اختيار سلبي وعدمي، لأنه لا يسر أحدا وليست فيه منفعة لأحد ولا يأتي للمنطقة إلا بالويلات، ولأهالينا إلا بمزيد من التفرقة والمعاناة.
إن المغرب بقيادة ملكه أمير المؤمنين، وبإجماع كافة مكوناته ومشاربه وقواه الحية، ليدعوكم إلى الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية، التي تتيحها مبادرة الحكم الذاتي المقدامة.

 إن المملكة المغربية التي كان الصحراويون أحد أركان صرح دولتها العريقة في التاريخ القديم والمعاصر، على مدى 14 قرنا من تشكل الدولة الأمة المغربية، القائمة على الإسلام دينا، والملكية نظاما، تناشد ما في وجدانكم العميق من وطنية أصيلة وصادقة، تلكم الوطنية التي تحليتم بها لبناء مغرب موحد، ديمقراطي ومتقدم.

ولهذا أناشدكم إخواني أعضاء جبهة البوليساريو، إلى التعقل والجنوح إلى الحكمة والموعظة الحسنة، وإتباع أحسن القول باتخاذ القرارات المناسبة الواقعية، ولكنها المشرفة، والتي ستدخل السرور إلى كل بيت وخيمة صحراوية، وإلى قلب كل صبي وشاب وامرأة، وشيخ صحراوي أينما وجد، وبالتالي الدفع إلى الأمام بمنطقتنا، برؤية مستقبلية متفائلة، يرجى منها الخير وكل الخير للمنطقة برمتها، ولا تخيبوا آمال أهالينا فينا جميعا.

"إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيراً". صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. 



 

 الموقع لا يتحمل مسؤولية سير عمل ومضمون الروابط الإلكترونية الخارجية !
جميع الحقوق محفوظة © المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية 2024